أكّد رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، "أنّنا عملنا على إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل حصول الشغور، وأنّه كان يجب أن ينجز بالأمس قبل اليوم، وغدا قبل بعده، وقبل أي أوان وقبل فوات الأوان"، مشيرًا إلى أن "في هذا المجال، لا بد من المصارحة لتصويب مسار بعض الأفرقاء في الداخل، وتحديدا لفريق "الوشاة" الذي يسير خطوط "ترانزيت" جوية عابرة للقارات، باتجاه عواصم القرار في أوروبا وأميركا، ويشكل مجموعات ضغط في أكثر من عاصمة تحريضًا وتشويهًا".

وتوّجه، في كلمة خلال المهرجان الّذي نظمته حركة "امل" في مدينة بيروت، بمناسبة الذكرى الـ45 لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، إلى هؤلاء "الوشاة"، قائلًا: "إنكم مخطئون في العنوان، ولا تعرفون من هو نبيه بري ومن هي حركة "أمل". أنصحكم بأن توفروا أموال الترانزيت والأكلاف على الإقامة في الفنادق الفاخرة، وعلى شراء الذمم في مراكز النفوذ في تلك العواصم. "انتو غلطانين بالنمرة، وخَيطوا بغير هالمسلة".

وخاطبهم بري بالقول: "ليس بهذه الطريقة ولا بهذه الأساليب ينجز الاستحقاق السيادي الأول والأهم في لبنان، ونؤكد أن هذا الاستحقاق لا يتم بفرض مرشح أو بوضع فيتوهات على مرشح"، مشدّدًا على أنّ "هذا الاستحقاق لا ينجز ولا يتم بتعطيل عمل المؤسسات الدستورية وشل أدوارها، لا سيما عمل السلطتين التنفيذية كسلطة تصريف للأعمال بالحدود الضيقة وفقا لما نص عليه الدستور اللبناني، ولا يكون بشل عمل السلطة التشريعية التي لها الحق أن تشرع في كل الأحوال، وهي ضرورة قصوى تفرض على الجميع تفعيل عمل هذه المؤسسة لا تعطيلها".

وتساءل: "هل كان على رئيس المجلس أن يدرج على جدول أعمال آخر جلسة، قانون تشريع الشذوذ، كي يكتمل عقد الجلسة؟ إن منظومة قيمنا كما أرضنا وعرضنا وديننا خط أحمر، ونقطة على السطر، وأيضا نحن لا "نبتكر الضرورة" بدل انتخاب رئيس الجمهورية، وفي انجاز استحقاق رئيس للجمهورية".

كما ذكر أنّ "اليوم، يكون قد مر سنة بالتمام والكمال على الجريمة التي اقترفها "نبيه بري" من على منبر الإمام الصدر في صور، بدعوته الكتل النيابية إلى وجوب إنجاز توافق وطني يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية يجمع ولا يفرق، رئيس يتمتع بحيثية مسيحية كما الحيثية الإسلامية وقبل أي شيء حيثية وطنية، وحددنا يومها موقفنا ورؤية كتلتنا حيال المواصفات التي نرى أنها مطلوب أن تتوفر بشخص الرئيس العتيد، لتطبيق الطائف وإخراج لبنان من أزماته".

وأوضح برّي أنّ "هذه الدعوة كانت قبل حصول الشغور، وقبل أيام من الدخول في المهلة الدستورية، وهي دعوة لم تكن تتضمن اسما معيناً"، متسائلًا: "هل أصبحت الدعوة إلى التوافق والحوار جريمة؟ أي قيمة للبنان إذا سقطت فيه ميزة الحوار وهل لبنان إلا الكلمة والحوار؟ وفي البدء كان الكلمة. هل ممنوع على مكون سياسي وروحي مؤسس للكيان اللبناني، أن يكون له صوت ورأي في مواصفات رئيس جمهورية بلاده؟".

وركّز على أنّ "جهات أخرى عادت لتعزف على وتر التقسيم والفدرلة، وهي صيغ عانى اللبنانيون مآسيها وويلاتها، وإلا ما معنى أن يرفض الفريقان المعنيان بهذا الاستحقاق أي صيغة من صيغ الحوار والتوافق؟"، جازمًا "أنّنا لن نيأس، وسنبقى نراهن على صحوة الضمير الوطني لهؤلاء، ولا نريد أن نصدق أن أحدا ما في لبنان لا يريد رئيس للجمهورية إذا لم يكن هو الرئيس لو كان على أنقاض لبنان، إشباعا لنزواته".

وبيّن أنّ "اللحظة السياسية التي يعيشها لبنان واللبنانيين هي الأخطر في تاريخه"، مشيرًا إلى "أنّني أقتبس كلاما للصّحافي الراحل تويني، وهو أحد الذين شاركوا في وضع ميثاق حركة "أمل"، أقتبس كلاما لطالما ردده أمام الإمام الصدر وخلال اجتماعاتنا ونشره في مطلع السبعينيات في صحيفة "النهار"، كلام أوجهه لنفسي وأيضا لكل المعنيين وأيضاً الذين يمارسون الكيد والنكد على حساب لبنان واللبنانيين. فيقول: "نريد توافقا يولد من المصارحة لا من النفاق. نريد تفاهما أن يكون تبادل فهم لا تبادل رياء، نريد عقولا منفتحة وقلوبا منفتحة. إن لبنان أعطي لنا هل أحببناه؟ ومن قال إن لبنان لواحد دون الآخر؟ وإن الحكم كالحياة وكالوطن ملك مشترك، ومستقبل لبنان ليس ما يفرق اللبنانيين بل ما يجمعهم، وميثاق لبنان الوطني يجب أن يكون شرعة الحياة المشتركة لا شرعة التناحر والتقاتل".

وأضاف برّي: "يا ابناء وطني... آخ يا بلدي. لو جلسنا آنذاك لما كنا في هذا الوضع المزري"، معلنًا أنّ "مجددا وللمرة الأخيرة، اقول: تعالوا في شهر أيلول لحوار في المجلس النيابي لرؤساء وممثلي الكتل النيابية، لمدة حدها الاقصى سبعة أيام، وبعدها نذهب لجلسات مفتوحة ومتتالية حتى يقضي الله امرا كان مفعولا ونحتفل بانتخاب رئيس للجمهورية".

وفي موضوع البدء بالتنقيب عن الغاز والنفط في البلوك رقم 9، لفت إلى أنّ "في المقلب الآخر للصورة القاتمة التي تظلل المشهد السياسي، ثمة بارقة أمل كبيرة ودائما هو الجنوب، الرئة التي يتنفس منها لبنان، برسو منصة التنقيب فوق البلوك رقم 9، وبدء تحالف الشركات النفطية عملية الحفر لاستكشاف مكامن وكميات الثروة الغازية فيه. ورغم ذلك، يحاولون تشويه هذا النصر، بزعمهم أنهم هم الذين أنجزوه. سكتنا طويلا حتى صدقوا انفسهم".

وأفاد بـ"أنّني مرة أخرى سأبين الحقائق لكل اللبنانيين. لقد بدأ الأمر كله عام 2002، عندما كلفت شركة "سباكتروم" بإجراء مسح في بحر لبنان كله، وكان رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون آنذاك في باريس، وعندما تاكدنا من النتائج، أقدمت كتلة "التنمية والتحرير" على توقيع اقتراح قانون وقعه الزّميل علي حسن خليل بتاريخ 9 حزيران 2010، وباليوم ذاته حولته الى اللجان المشتركة برئاستي، حيث كنت مريضا ونزلت الى الجلسة آنذاك لإقرار القانون بتاريخ 12/8/2010، وحوّل الى الهيئة العامة التي أقرته في الشهر ذاته، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 آب 2010. سبحان الله، أي في اليوم ذاته الذي بدأت فيه شركة "توتال" أعمال الحفر في بحر الجنوب".

وأكّد برّي أنّ "كل هذا تم قبل الوصول الى مجلس الوزراء في العهد الغادر، واختلفوا من أين يبدأون، حيث طرحت منذ سنوات آنذاك على مجلس الوزراء أن تطرح البلوكات كلها وتلزّم من نختار. كان امامنا ان نطرح كل البلوكات، لكن لزم البلوك رقم 4، وبدأ التصوير من هناك من ناشطي "الانتحار" و"طواحين الهواء"، في الوقت الذي سارعت فيه للتفاوض مع الأمم المتحدة والأميركيين لترسيم الحدود، الى ان تم إتفاق الإطار، وأعلن من عين التينة في 20/10/2020، والذي أوصلنا الى هذا المشهد في البلوك رقم 9، ورست المنصة".

وركّز على أنّ "كلي أمل ان شاء الله أنها ستاتي أكلها، مهما "ناوش" البعض وادعى وتعالى صراخه"، متوّجًها بالشكر والتقدير إلى "مَن صنع هذا الإنجاز، للشهداء المقاومين الذين رسموا حدودنا في البر والبحر بخط أحمر كما لون دمائهم، والشكر للراحل هشام فحص، الذي صبغ مياه هذه البقعة بأرجوان دمه، فأنبت زرعه حدودا وحقا وثروة وحاضرا وتاريخا لا يقبل السرقة أو التزوير أو التفريط أو التنازل أو المقايضة".

إلى ذلك، شكر كل اللبنانيين ووسائل الإعلام وقادة الرأي "الذين واكبو مسار تحقيق هذا الإنجاز، الذي لا يجب أن يحجب الرؤيا عن ضرورة استكمال معركة تحرير التراب الوطني اللبناني من العدوانية الإسرائيلية، من أعلى نقطة في العرقوب إلى الشطر الشمالي لقرية الغجر، مروراً بالنقاط المتحفظ عليها عند الخط الأزرق، وصولا إلى النقطة "B1" عند رأس الناقورة بالاضافة الى مزارع شبعا".

وشدّد على أنّ "في هذا المجال، ومع تصاعد وتيرة التهديدات التي يطلقها المستويين السياسي والعسكري في الكيان الإسرائيلي تجاه لبنان، وآخرها التهديد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، نؤكد أن حركة "أمل بكل" مستوياتها الجهادية، معنية الى جانب اخوتنا في "حزب الله" بأن يكون كل فرد منها فدائيا، للدفاع عن حدود أرضنا المقدسة".

من جهة ثانية، اعتبر برّي أنّ "القدس هي قبلتنا الاولى وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا، وأن ومقاومة وجهاد الإخوة الفلسطينيين في سبيل تحرير أرضهم هو جهادنا ومسؤوليتنا الأخلاقية والإنسانية والتاريخية، كما هي مسؤولية الشعوب العربية والإسلامية كافّة وكل الأحرار في العالم"، منوّهًا لضرورة "دعم نضال الشعب الفلسطيني المحق في تحرير أرضه وتحقيق أمانيه بالعودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ومؤازرته في تثبيت هوية القدس في مواجهة محاولات التهويد الممنهج للمقدسات الإسلامية والمسيحية وتقسيم المدينة زمانيا ومكانيا".

ولفت إلى أنّ "لكي لا تسبق الخناجر أحلام المقاومين الفلسطينيين، الرهان أيضا على الأخوة من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات في لبنان، لا سيما القوى الفلسطينية على مختلف توجهاتها، بوجوب الوعي والتنبه من الوقوع في براثن فتن الاقتتال الداخلي بين أبناء القضية الواحدة". ورأى أن "التصعيد الذي حصل في مخيم عين الحلوة يدمي القلب، وهو لو استمر أو تكرر لا سمح الله وممنوع أن يتكرر، سيكون بمثابة "طعنات خناجر" في ظهور المقاومين في الداخل الفلسطيني، وعمل مشبوه كائنا من كان خلفه".

وأكّد "انحيازنا إلى جانب سوريا في نضالها في مواجهة الإرهاب المزدوج الإسرائيلي والتكفيري، وفي استعادة وحدتها وسيادتها على كامل التراب الوطني السوري، وحقها بالاستفادة والاستثمار على ثرواتها في النفط والمياه والحبوب".

وأعرب عن تقديره عاليا "الجهود الطيبة التي بذلتها السعودية والجزائر ومصر، فأثمرت عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعودة العرب إليها". وأبدى استغرابه من "حالة التردد والخجل التي يتخبط بها لبنان الرسمي حيال تطبيع العلاقات بين البلدين الشقيقين، بما يحفظ مصالحهما المشتركة وهي كثيرة، وفي مقدمها حل مسألة النازحين وعودتهم الآمنة إلى وطنهم الأم".

وتابع برّي: "ننظر بأمل وارتياح إلى مسار التعافي الذي يسلكه العراق، ونتطلع نحو مزيد من رص الصف والوحدة، فاستقرار العراق وإزدهاره وتقدمه يوفر مظلة أمن وأمان للمنطقة، وشريان تواصل استراتيجي للتلاقي والتواصل بين الجوار العربي والجوار الإسلامي".

وذكر أنّ "في الشأن المتصل بالإتفاق بين السعودية وإيران، فإننا إذ نقدر عاليا لقيادتي البلدين جهودهما والجهود التي بذلتها جمهوريتَي الصين والعراق الشقيق لإنجاز هذا الاتفاق التاريخي بين البلدين، نتطلع بأمل كبير إلى العمل به وتنفيذ كل مندرجاته، لما لهذا الاتفاق من إيجابيات كبرى تتعدى النطاق الجغرافي والمصالح المشتركة للبلدين الصديقين، إنما تطال هذه الإيجابيات مصالح دول المنطقة وشعوبها كافة في الاستقرار والتقدم والاقتدار".

وعن قضية الإمام الصدر ورفيقيه، أشار إلى أنّ "بعد خمسة وأربعين عاما على التمادي في ارتكاب جريمة الإخفاء، هي سنوات يجب أن تكون كافية لمن يجهل عن حسن نية أو يتجاهل عن قصد، في استبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود لجريمة العصر هذه، ولماذا ارتكبت هذه الجريمة بحق لبنان وبحق الإنسانية؟ ولماذا إختيار الإمام بشخصه؟ وهل لأنه يمثل رمزية كبيرة في وجدان الطائفة الإسلامية ولدى غالبية اللبنانيين؟ وهل لأن المشروع الذي حمله الإمام الصدر وأطلقه في لحظة سياسية ووطنية مفصلية في تاريخ لبنان والمنطقة، كداعية للحوار والوحدة ومبتدأ للمقاومة في مواجهة الخطر الصهيوني ومشاريعه وأطماعه التوسعية والعدوانية، وفي مواجهة مشاريع التقسيم والتجزئة والعزل والاقتتال الداخلي كان هو الهدف؟".

وأكّد برّي أنّ "الإمام الصدر مثّل مشروع الخير المطلق في مواجهة الشر المطلق، مثّل مشروع الوحدة على المستوى الوطني والقومي ولكل شعوب الأمة في خياراتها وتلاقيها الرسالي والحضاري، وفي مواجهة مشاريع الشرذمة والتفتيت للبنان والمنطقة، وتحويلها إلى إسرائيليات. لأنه كل ذلك وأكثر من ذلك، استُهدف كشخص واستهدف كمشروع نهضوي للبنان والأمة، كانا ولا يزالا بأمس الحاجة إليه في كل زمان ومكان".

وأوضح أنّ "على هذا النحو من الأهمية، نقارب ويجب على كل حر وشريف أن يقارب قضية الإمام الصدر ورفيقيه وجريمة اختطافهم بكل أبعادها، لكي ندرك خطورة طمس معالمها والإمعان في تبرئة من ارتكب هذه الجريمة، التي هي برسم الإنسانية جمعاء"، مشدّدًا على أن "رأس النظام الليبي "المقبور" معمر القذافي ومن نفذ معه هذه الجريمة، هم أدوات خبيثة لمشروع خبيث كان مسرحه الأراضي الليبية".

واعتبر أنّ "بناء على ما تقدم، ولأن قضية الإمام الصدر وأخويه بقدر ما هي قضية إخفاء أشخاص أعزاء، هم بالنسبة إلينا عناوين عزتنا وقوتنا وكرامتنا، هم أيضا بالقدر نفسه يمثلون من خلال استهدافهم والاستمرار بخطفهم إستهدافاً واختطافاً للبنان الدور والرسالة، نؤكد الالتزام والتمسك بمتابعة هذه القضية، ونعتبر أن كل محاولات حرف الأنظار والتشويش وإثارة الغبار من هنا وهنالك ونسج روايات لا تستند على شيء من الحقيقة، هي روايات لا تفضي إلا إلى المزيد من تضليل التحقيق، ومحاولة مكشوفة لتبرئة المجرمين".

كما شدّد برّي على أنّ "المعزوفات السخيفة تعودنا عليها في كل عام في مثل هذه الايام، مع اقتراب موعد إحياء ذكرى الإمام، وهي من نسج خيال مطلقيها، ومن إعداد من تربى وإقتات على موائد أموال القذافي ونظامه، الذي أعاد إنتاج نفسه بوجوه جديدة في ليبيا".

ولفت إلى أنّ "المسؤولية التي حملها القضاء اللبناني وكذلك الإيطالي منذ اللحظات الأولى للقذافي وأعوانه في تنفيذ هذه الجريمة، واستمرار طمس معالمها حتى آخر لحظات حكمه، بالقدر نفسه من المسؤولية نحملها وتتحملها السلطات الليبية القائمة حاليا، إذا ما استمرت في عدم تعاونها مع القضاء اللبناني، أو فيما لو استمرت في حجب المعطيات التي تفيد التحقيق العدلي في هذه القضية، التي نعود ونؤكد أنها قضية لن يطوها الزمن وغير قابلة للمساومة أو المقايضة".